تكوين الثلوج وعواملها

عنوان المقال: تكون الثلوج في الغلاف الجوي

تشكل الثلوج هو ظاهرة جوية معقدة تجمع بين عناصر فيزيائية وديناميكية دقيقة، وتتداخل فيها مكونات الهواء، ودرجة حرارته، ومستويات الرطوبة، وحركات التيارات الصاعدة والهابطة. لا يقتصر فهم هذه الظاهرة على مجرد تساقط بلورات الجليد من السماء، بل يتعدى ذلك ليشمل آليات التكون في الغلاف الجوي العلوي، والخصائص الفيزيائية للماء في حالاته المختلفة، ودور الجزيئات الدقيقة في تشكيل النوى الجليدية. تسلط هذه المقالة الضوء على تفاصيل عملية تكون الثلوج، والعوامل المؤثرة فيها، وأنواعها، وأثرها البيئي والجيولوجي.

الخصائص الفيزيائية للماء ودورها في التكون الثلجي

يتواجد الماء في الطبيعة في ثلاث حالات: صلبة، سائلة، وغازية. إحدى الخصائص الفريدة للماء أنه قادر على التحول من بخار إلى جليد دون المرور بالحالة السائلة، وهي عملية تُعرف بالترسب (Deposition). هذه الخاصية تلعب دورًا محوريًا في تكوين الثلوج، حيث يتجمد بخار الماء مباشرة على نوى تكاثف صلبة عالقة في الغلاف الجوي. يحدث هذا في طبقات الجو العليا حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر المئوي، وغالبًا دون -10°C أو أقل.

العوامل الأساسية لتكوّن الثلوج

1. درجة الحرارة:

تعتبر درجة الحرارة العامل الأهم، إذ يجب أن تكون دون درجة التجمد (0°C) في الطبقات التي يتكاثف فيها بخار الماء. ومع ذلك، فإن تكوّن الثلج قد يبدأ عند درجات حرارة أعلى قليلاً إذا توفرت شروط أخرى داعمة مثل نوى تكاثف فعالة.

2. الرطوبة النسبية:

يجب أن تكون الرطوبة النسبية عالية، وعادة تتجاوز 90% في الطبقات العلوية لتأمين كمية كافية من بخار الماء لتشكيل البلورات الجليدية.

3. نوى التكاثف الجليدية (Ice Nuclei):

تتكون هذه النوى من جزيئات دقيقة عالقة في الهواء، مثل الغبار أو الرماد البركاني أو حبوب اللقاح. بدون وجود هذه النوى، يصعب على بخار الماء أن يترسب مباشرة ليكوّن البلورات الجليدية.

4. الحركات العمودية للهواء:

تساعد التيارات الهوائية الصاعدة على نقل الهواء الدافئ والرطب إلى طبقات الجو العليا الباردة، مما يزيد من احتمالية تكوّن الثلوج. أما التيارات الهابطة، فقد تؤدي إلى ذوبان البلورات الثلجية قبل وصولها إلى السطح.

آلية التكوّن الجوي للثلوج

يبدأ تكوّن الثلج في السحب الركامية أو السحب الطبقية العلوية التي تحتوي على درجات حرارة منخفضة. عندما يتواجد بخار الماء بكثرة ويُصادف نوى جليدية، يبدأ بخار الماء بالترسب على هذه الجسيمات، مكونًا بلورات صغيرة. مع استمرار العملية، تنمو هذه البلورات عن طريق دمجها مع مزيد من بخار الماء أو الالتحام مع بلورات أخرى، مكونة هياكل سداسية معقدة تختلف في شكلها حسب درجة الحرارة والرطوبة.

وفقًا لظروف التكوين، قد تأخذ البلورات أشكالًا مختلفة:

تُظهر هذه الأشكال التباين الكبير في مخرجات عملية التبلور، وتساهم في تفسير تنوع أشكال حبيبات الثلج عند السقوط.

تساقط الثلوج نحو سطح الأرض

بمجرد أن تزداد كثافة البلورات الجليدية ويصبح وزنها أكبر من قوة الطفو الهوائي، تبدأ في السقوط نحو سطح الأرض. أثناء هبوطها، قد تمر هذه البلورات بعدة طبقات هوائية تختلف في درجة حرارتها. إذا ظلت جميع الطبقات دون درجة التجمد، فإن الثلج يصل إلى السطح على هيئة بلورات سليمة.

أما في حال مرورها بطبقة دافئة، فقد تذوب جزئيًا أو كليًا، وتتحول إلى مطر أو مزيج من الثلج والمطر، أو تتجمد مرة أخرى مكوّنة “جليدًا متجمدًا” (Freezing Rain).

أنواع الثلوج

تصنف الثلوج إلى عدة أنواع بناءً على طريقة تشكّلها وشكلها وسلوكها عند التساقط:

1. الثلج الجاف:

يكون خفيفًا وذو بلورات واضحة، لا يلتصق بسهولة، ويتكون في درجات حرارة منخفضة جدًا.

2. الثلج الرطب:

يمتاز بوجود ماء سائل بين بلوراته، لزج نوعًا ما، ويظهر عندما تكون درجة الحرارة قريبة من نقطة التجمد.

3. الثلوج المتحولة:

تتغير بنيتها بعد سقوطها بسبب التراكم والضغط ودرجات الحرارة المتغيرة، وقد تتحول إلى جليد صلب مع مرور الوقت.

4. الثلج الحبيبي:

يتشكل نتيجة ذوبان جزئي وإعادة تجميد متكرر لحبيبات الثلج، ويشبه الرمل الجليدي.

الفرق بين الثلوج والجليد

من الضروري التمييز بين الثلج (Snow) والجليد (Ice). الثلج هو ترسيب جوي ناتج عن تكاثف بخار الماء عند درجات حرارة منخفضة، في حين أن الجليد يتكون نتيجة تجمّد المياه السائلة على سطح الأرض أو في الطبقات السفلية من الغلاف الجوي، وقد يكون نتيجة تساقط المطر على سطح متجمد أو تجمّد الماء في البحيرات والأنهار.

تأثيرات الثلوج على البيئة والأنظمة البيولوجية

تؤدي الثلوج دورًا مهمًا في النظم البيئية والمناخ العالمي، فهي تخزن المياه على شكل جليد يمكن أن يُغذي الأنهار خلال فصل الربيع. كما أن الغطاء الثلجي يعكس كمية كبيرة من أشعة الشمس، مما يساعد على تقليل درجات الحرارة السطحية، وهو ما يُعرف بتأثير “البياض السطحي” (Albedo Effect).

كما تعمل الثلوج على عزل سطح التربة، ما يحمي الكائنات الحية الدقيقة والجذور من موجات البرد الشديد. في المناطق الجبلية، تُشكّل الثلوج مصدرًا رئيسيًا للمياه العذبة بعد ذوبانها، وتعتمد عليها ملايين البشر في الشرب والزراعة.

الثلوج في الأنظمة المناخية المختلفة

يختلف توزيع الثلوج وكثافتها حسب المناطق الجغرافية والمناخ السائد. فالمناطق القطبية مثل غرينلاند وأنتاركتيكا تشهد تساقطًا ثلجيًا منخفضًا رغم انخفاض درجات الحرارة، نتيجة ندرة الرطوبة. في المقابل، تُسجّل مناطق مثل جبال الألب والروكي كميات كبيرة من الثلوج سنويًا بسبب تأثير التيارات الرطبة والارتفاعات العالية.

التغير المناخي وتأثيره على تكون الثلوج

تشير الدراسات المناخية إلى أن ارتفاع درجات حرارة الأرض بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري يؤثر بشكل كبير على كمية وجودة الثلوج. فبينما قد تزيد بعض المناطق من كثافة الثلوج في فصول معينة نتيجة زيادة الرطوبة، تشهد مناطق أخرى ذوبانًا سريعًا أو انخفاضًا في عدد أيام تساقط الثلوج.

من أبرز الآثار المسجلة:

• انخفاض سمك الغطاء الثلجي في الربيع.

• تغيّر في توقيت ذروة التساقط من الشتاء إلى الخريف.

• زيادة في تساقط الأمطار بدلاً من الثلوج في بعض المناطق المعتدلة.

التطبيقات العلمية والهندسية لفهم تكون الثلوج

يلعب فهم تكوّن الثلوج دورًا جوهريًا في عدة مجالات:

• الطيران: لتفادي تراكم الثلوج على أجنحة الطائرات.

• الهيدرولوجيا: لحساب كميات المياه المحتملة الناتجة عن ذوبان الثلوج.

• الهندسة المدنية: في تصميم المباني والبنية التحتية لتحمل أوزان الثلوج.

• الأرصاد الجوية: في التنبؤ الدقيق بالطقس وظواهر الانهيارات الثلجية.

جدول مقارنة: أنواع الهطول الشتوي

الخاتمة

تُعد الثلوج مكونًا حيويًا في الدورة المائية والمناخية للأرض، وتُمثل إحدى أبرز الظواهر الجوية التي لا تقتصر على المنظر الجمالي فحسب، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأنظمة الحياة الطبيعية والاقتصادية والهندسية. من خلال الفهم الدقيق لآلية تكوّن الثلوج وتأثيراتها، يمكن للبشرية التكيف مع التغيرات المناخية المقبلة، وتحقيق استدامة في استخدام موارد المياه، وتطوير بنى تحتية تتماشى مع الظروف البيئية المتغيرة.

المراجع:

1. Wallace, J. M., & Hobbs, P. V. (2006). Atmospheric Science: An Introductory Survey. Academic Press.

2. National Snow and Ice Data Center (NSIDC) – https://nsidc.org